في الوقت الذي يتابع فيه العالم تطورات الملف النووي الإيراني، وبينما تنشغل العناوين الكبرى بالسلاح والاتفاقيات والمفاوضات، هناك خطر آخر، أشد صمتًا وأعمق أثرًا، يلوح في الأفق دون أن يحظى بالاهتمام الكافي: خطر كارثة نووية قد تحدث بفعل زلزال مفاجئ يضرب منشأة نووية إيرانية، ليس لتهدد إيران وحدها، بل لتفتح أبواب الجحيم على الشرق الأوسط بأكمله.
إيران، كما هو معروف، تقع على أحزمة زلزالية نشطة، خاصة في مناطق مثل أصفهان وقم وفارس، وهي ذات المناطق التي تضم منشآت نووية كبيرة مثل مفاعل "نطنز" و"فوردو". الزلازل في إيران ليست أمرًا نادرًا أو مفاجئًا، بل تتكرر بشكل دائم، وبعضها بلغت قوته أكثر من 6 درجات على مقياس ريختر. والسؤال البديهي الذي يُطرح هنا هو: ماذا لو ضرب زلزال قوي منشأة نووية؟ هل نحن مستعدون؟
التسرب الإشعاعي لا يرحم. إنه لا يحتاج إلى حدود جغرافية ليُمنع، ولا إلى جيوش ليُقاوم. الجسيمات المشعة تنتقل عبر الرياح، وتنتشر في الجو والماء والتربة، وتبقى آثارها لعقود. إن كارثة تشيرنوبيل في أوكرانيا سنة 1986 كانت كافية لتلوث أجزاء واسعة من أوروبا الشرقية والغربية، وتُسجل آثارها الصحية حتى اليوم، رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا.
وإذا ما قارنا المسافة بين تشيرنوبيل والعواصم الأوروبية، فهي أبعد من المسافة بين إيران ومعظم دول الشرق الأوسط. العراق، الكويت، السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، عمان، الأردن، سوريا، لبنان… كلها دول تقع ضمن الدائرة الأولى من التأثر في حال حدوث أي تسرب إشعاعي في إيران، خصوصًا إذا كان مصحوبًا برياح قوية تتجه غربًا أو جنوبًا.
لكن الكارثة الأكبر ليست في الحادث ذاته، بل في عدم الاستعداد له. معظم دول المنطقة لا تمتلك خطط طوارئ لمواجهة الكوارث النووية، ولا توجد حملات توعية للمواطنين، ولا يتم توفير أقراص اليود التي تحمي الغدة الدرقية من التسمم الإشعاعي، كما هو معمول به في الدول التي تحترم حياة شعوبها.
بل إن الأمر الأكثر قسوة، هو أن كثيرًا من الشعوب لا تعلم أصلًا كيف تتصرف في حالة تسرب إشعاعي، ولا تعرف حجم الخطر، ولا طرق الوقاية البسيطة التي قد تنقذ الأرواح.
فإذا حدثت الكارثة، لا قدر الله، فإن أول المتضررين سيكونون هم الأبرياء: الأطفال، المرضى، المزارعون، والمواطنون العاديون الذين لا يد لهم فيما يجري سياسيًا أو نوويًا. ستتلوث الأراضي الزراعية، وستُغلق المدارس، وستنهار الثقة بالحكومات، وسنشهد هجرة جماعية من المناطق المتأثرة، وربما تصاعدًا في الصراعات الاجتماعية والاقتصادية.
هل ننتظر هذا السيناريو؟ أم نتعامل معه بجدية قبل أن يتحقق؟
على الدول العربية والإسلامية أن تُطالب إيران، ومنظمة الطاقة الذرية الدولية، بإجراء تقييم شفاف حول سلامة منشآتها النووية من الزلازل، وأن تضمن إنشاء أنظمة حماية فعالة، وخطط إخلاء، ومراكز معالجة، كما يجب على كل دولة في المنطقة أن تُطوّر آليات لمواجهة الطوارئ النووية، بالتعاون والتكامل لا بالمزايدات السياسية.
كما يجب على الإعلام، والمؤسسات التربوية، والمجتمع المدني، أن يبدأوا حملة توعية واسعة، تشرح للناس مخاطر التسرب الإشعاعي، وكيفية التصرف، والوقاية الأولية.
وفي النهاية، علينا أن نُجيب على هذا السؤال بضمير حي: هل نحن مستعدون... أم سنبكي بعد فوات الأوان؟